Wednesday, December 30, 2009

القتل بحجة التأمين

كلما تكلم أحدهم عن حالة الشلل المرورى التى تصيب البلد بسبب موكب الرئيس، كنت أطوى صفحة هذا الكلام وأتوقف عن الخوض فيه باعتباره من المعلوم بالضرورة، وباعتبار أن قصصا كثيرة مثل الطلبة الذين تأخروا عن الامتحان، أو السيدات الحوامل اللاتى يلدن فى الإشارات، جعلت من أمر موكب الرئيس والمشاكل التى يسببها من مسلمات الحياة المصرية، بسبب هذا كنت أعتبر أن أى حديث عن مواكب الرئيس التى تخنق البلد، وزيارته التى تغلق المحافظات فى وجه أهلها لا فائدة منه، طالما أن رجال السيد الرئيس قرروا أن يعزلوه عن الناس، أو حتى لا أظلمهم قرروا أو يوفروا له الحماية الأمنية القصوى بغض النظر عن معاناة الشعب.

ولا أعرف إن كان الرئيس مبارك الذى شاهدناه مهتما بالطالبة آلاء يعلم أن عشرات الطلاب يتأخرون عن امتحاناتهم بسبب مواكبه، و بما يحدث فى المحافظات التى يقرر زيارتها أم لا، فالأمن فى الأقاليم يسعى لتأكيد حرفيته وجودة عمله فى تأمين الزيارة الرئاسية بفرض المزيد من القيود على حركة الناس وحياتهم، قد تصل لحد فرض حظر شفهى للتجول، وينفذون كل ذلك بعقول يغلب عليها صدأ الروتين والخوف دون مراعاة لمصالح الناس وحياتهم.

بالأمس فقط شعرت بتلك المعاناة.. دعونى أخبركم بأننى الآن أحمل شحنة غضب وحيرة تجاه زيارات الرئيس مبارك وطريقة تأمينه خاصة تلك الزيارات التى يتوجه فيها سيادته إلى المحافظات.

فى مساء السبت تعرض عمى لحادث سير بشع على طريق مدينة بورسعيد، وهذا أمر حدوثه أصبح طبيعيا فى دولة لا يعيش لها نظام مرورى، ولا يمكن التنبؤ بعيوب طرقها، أو الهبوطات الأرضية التى تملأ شوارعها، أو تعديلات حواريها، أعرف تماما أن ماحدث لعمى قضاء وقدر نحمد الله عليه، وندعوه أن يمر الرجل صاحب الأطفال الخمسة من أزمته الصحية على خير، ولكن حتى هنا لابد أن يتوقف كلام العطف والشفقة، لأن ماحدث ينتمى إلى أشد مناطق الخطورة.

جزء كبير من سبب الحادث يعود إلى غياب الإنارة عن الطريق، وعدم وجود إرشادات كافية تخبر الرجل باحتمال الاصطدام مع كتل حجرية زرعها المرور كيفما اتفق.. أما الجانب الأخطر فتبدأ تفاصيله بعد الحادث.. منذ اللحظة التى اكتشف فيها المرافقون لعمى أنه لايوجد مستشفى مجهز لاستقبال رجل يعانى من اشتباه فى وجود انفجار بالعينين وكسور فى الجمجمة وكثير من التمزق فى أجزاء الوجه المختلفة، ومرورا بعدم وجود وحدة أشعة مجهزة سوى خارج مستشفيات الحكومة، وانتهاء بثلاثة أطباء ظلت الممرضة التى أشفقت على حالة الرجل «تشحتهم» من أرجاء المستشفى الأميرى ببورسعيد، وأخذوا الرجل ودخلوا غرفة العمليات ليبقوا معه لمدة ثلاث ساعات دون أن يفعلوا شيئا سوى خياطة بعض الجروح على طريقة خياطة أشولة الأرز، ثم التحجج بأنهم ليسوا خبراء فى ذلك الأمر، ثم الإفتاء بأن حالة عينيه المزرية يمكنها أن تتحمل لمدة 15 يوما.

حتى هنا أيضا والأمر طبيعى، لأن هذا حال مستشفيات الحكومة فى مصر، ونصيب عمى أن الحادث وقع ليلا ولم يستطع نجله الصغير المرافق له سوى أن يتصرف بهذا الشكل، أما الأخطر فيبدأ منذ تلك اللحظة التى توافد فيها بقية الأقارب والأصدقاء، وتفجعهم حالة المصاب ويقرروا على الفور نقله إلى القاهرة حيث أماكن العلاج المضمونة، دعك من أن الشبورة الكثيفة وحالة عمى السيئة أجبرتهم على البقاء لصباح اليوم التالى، وركز جيدا فيما سأقوله.. فى تمام الساعة السابعة أردنا أن نحمل مصابنا ونلحقه بأحد مستشفيات القاهرة حتى لا نفاجأ بطبيب يخبرنا بأننا تأخرنا على المريض، كانت المفاجأة الأولى أن السادة الأطباء فى المستشفى الأميرى لا يحضرون قبل العاشرة، وأن هناك إجراءات لا يمكن تجاوزها خاصة بتقرير طبى ومحضر أمنى، ولم يرق قلب أحدهم أو يفزع لفكرة أن كل دقيقة تأخير قد تعنى عاهة مستديمة لهذا الرجل، ثم حدثت الطامة الكبرى حينما بدأنا نطلب سيارة إسعاف لنقل عمى إلى القاهرة.. وسمعت كلمات وددت بعدها لو لم أكن مصريا، أو أضع حزاما ناسفا حول جسدى لأفجره فى أى شىء قد يغضب هذه الحكومة ويكشف عورتها.

ما سمعته كالأتى: لا توجد سيارات إسعاف حكومية جاهزة للخروج لأن المحافظة كلها فى حالة «ستاند باى» بسبب زيارة الرئيس، لا تتصوروا أن الكلام كان من موظف مخمور، بل أكد عليه موظفو المستشفيات الخاصة التى ذهبنا نستنجد بسيارات إسعافها، ففوجئنا بأن سياراتهم معطلة إجباريا بسبب حادث، ونصحونا بأن نطلب سيارة إسعاف من محافظة دمياط لأنه لا أحد فى بورسعيد سيفرط فى سيارة إسعافه والرئيس قادم، لأن المحافظة كلها تعيش حالة غير طبيعية تحت بند تأمين زيارة السيد الرئيس.

طبعا أنا على ثقة كاملة أن ماحدث هنا لا علاقة له بتعليمات رئاسية ولا حتى أمنية، لأن تأمين زيارة الرئيس لن يتوقف على سيارات إسعاف المستشفيات العامة فلمن يكون الإسعاف الطائر إذن؟! ولكنها الروح الروتينية الجبانة التى تسيطر على موظفينا ومحافظينا فتجعلهم يتصرفون بتلك السذاجة وذلك البله والعته الذى يجعلهم لا يرون سوى المسئولين الكبار، أما غلابة الشعب فليذهبوا للجحيم.

المهم انتظرنا سيارة الإسعاف التى أتت من دمياط، وأكرمنا الله بطريق سالك بلا زحام ووصلنا إلى المستشفى الذى يرقد به عمى المريض الآن بين يدى خالقه، وعدد من الأطباء فى المستشفى الدولى للعيون الذى أتمنى أن يجعل الله فى أيديهم بركة الشفاء، وأن يجعلهم سرا من أسرار عدم حرمان عمى من نور عينيه الذى كاد يفقده بسبب محاولة أبوية لإنقاذ ابنه من قسوة الحادث.. يارب اشفِه، ويارب لا تقدر بوقوع أى حوادث فى أى مكان يزوره الرئيس أو أحد رجاله.

1 تعليقات:

☼♫♪ عمــاد الدين يــوسف ☼♫♪ said...

اختي الفاضله مريم
اولا سعيد بالتعرف الى مدونتك الشيقه ولونها الغالب عليه سمت النقد والتحليل والمختلف عن طبيعة البنات او ان شئت الدقة بنات اليومين دول
ثانيا بخصوص تأمين سعادته ، سعادته مئة بالمئة يدرك حجم القرف الذي يضعنا فيه اثناء تكرمه على ارضنا الموبوأة بزيارة او افتتاح احدى المصانع العملاقه التي تصدر للشرق الاوسط واوروبا افخم انواع اوكر سيفونات التواليت او احدى كباري بولاق الدحروج ، عموما لا بأس فحياة سعادته اهم واثمن من ألف مريض في عربة اسعاف او مليون ست حامل يعني هتجيب افضل من سعادته ؟ واوعي تفهميني صح .. عموما ربنا يباركلنا في ثمانينيات سعادته ويمتعه بالصحه اللي قلة حبتين ... وفي النهاية اتشرف بزيارتك

طبعا لمدونتي ....تحياتي


Blogspot Templates by Isnaini Dot Com. Powered by Blogger and Supported by Ralepi.Com - BMW Motorcycle