Sunday, December 27, 2009

أميمة كمال : ان تكون سيدا

 بالتأكيد، ولا مجال للجدل طويلا، أنه من الصعب أن يكون المرء سيدا، أو أن يكون صاحب القرار سيدا، ولكنه فى الحقيقة ليس مستحيلا.

ألا يكون المرء سيدا فهذا شىء عادى، لأنه قد قرر بملء إرادته أن يسلبها منه آخرون، فهذا شأنه، وتأثيره لن يتجاوز حدود نفسه، أو نفسه وأهله، وليس أكثر من ذلك. ولكن عندما لا تملك الأمة السيادة فهذا معناه أنها قررت بملء إرادتها التنازل عنها، وبالتالى هى على استعداد أن تدفع ثمن هذا التنازل التاريخى. لذلك فيجب أن تقرر الأمة، كل الأمة أنها توافق على دفع الثمن، ثمن غياب السيادة.

أما وقد قرر جانب فقط من الأمة، وهى الحكومات، أن تتنازل عن السيادة على أمن مواطنيها الغذائى كما أقرت بذلك جامعة الدول العربية فى تقريرها الذى أصدرته الأسبوع الماضى حول «تحديات التنمية فى الوطن العربى»، ثم حاولت بعد ذلك فى مقدمة التقرير التنصل من نتائجه. حيث قررت الجامعة أن الآراء الواردة فيه لا تعبر عنها ولا عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، بالرغم من أنه يحمل بجانب اسم المنظمتين السابقتين اسم مجلس وزراء الشئون الاجتماعية العرب. فإذا كان كل هؤلاء يتبرءون منه خوفا من الاعتراف بما جاء فيه فلماذا إذا تعلنوه من الجامعة؟ ولماذا تكلفون أنفسكم أموالا لإخراجه للنور؟

أليس من الأشرف لكم أن تعلنوه بل وتصرخوا فى وجه الحكومات العربية بما فعلت بشعوبها بدلا من أن تخشوا مواجهتها بحقيقة أن سيادة الدول العربية على الغذاء منخفضة باستثناء السودان. والسيادة المنخفضة تعنى أن الحكومات تستورد من الخارج ما بين 70% إلى 88% مما تأكله شعوبها من الحبوب والزيوت والسكر والاحتياجات الأساسية.

والحقيقة أن المثير للاستفزاز أنه حتى فى فكرة السيادة هناك تفاوت بين الأغنياء والفقراء حيث إن الاكتفاء الذاتى فى السلع التى تستهلكها الشريحة الأعلى دخلا هى النسبة الأكبر مثل اللحوم والأسماك والخضراوات بينما الحبوب والسكر والسمن تقل فيها نسب الاكتفاء الذاتى.

وبالرغم من إشارات الخطر الذى يعلن عنها هذا التقرير من أن ارتفاع أسعار الغذاء عالميا والذى نعتمد عليه فى توفير جانب كبير من استهلاكنا يؤثر على الفقراء أكثر كثيرا من الأغنياء لأنهم يصرفون نسبة أكبر من الدخل على الغذاء تصل إلى 50% مما يزيد أعداد الفقراء يوما بعد يوم.

ولكن يبدو أن إشارات الخطر هذه لا تحرك شعرة من مسئول فى مصر حيث أصر كل من د. على مصيلحى وزير التضامن الاجتماعى ود. سعد نصار مستشار وزير الزراعة فى مؤتمر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية منذ أيام على أنه هناك استحالة تحقيق «السيادة» عفوا الاكتفاء الذاتى من القمح مهما كانت الأسباب. ورفع الاثنان شعار يكفينا تحقيق الأمن الغذائى من الحبوب.

فإذا كان المسئولون يصرون ويصدعون أدمغتنا كل يوم فى الحديث عن السيادة على الحدود خوفا من أن تتسرب نملة إلى حدودنا تخدش سيادتنا، فمن باب أولى أن يولوا جانبا، ولو يسيرا، للاهتمام بالسيادة على أكل الفقراء، وإذا لم يفعلوا فليس أمامهم إلا أن يسألوا الناس عن رأيهم فى قضية السيادة.

وإذا كان يصعب على المسئولين فى مصر أن يسألوا الشعب المصرى كله إذا ما كان خياره هو انعدام السيادة كما اختارت الحكومة له وتحاول دوما أن تقنعه بقرارها وذلك لأسباب نعرفها جميعا تتعلق بصعوبة إجراء الاستفتاءات فى مصر. ناهيك عن الخوف من أن يعتادها الناس فيطالبون بتطبيقها فى أشياء محظور عليهم الحديث فيها مثل الانتخابات الرئاسية. إذا كانت هناك صعوبات فى أن نسأل الناس كلهم عن مزاجهم فى السيادة فلنختصر الأمر ونختار ممثلين عنهم نسألهم.. هل تفضل أن تكن السيادة زيادة ولا مضبوطة، ولا سيادة على الريحة؟.

ولكن لصعوبة سؤال كل الناس أقترح أن نسأل عينة ممثلة مثل فلاح الناعورة بمحافظة المنوفية الذى أضرب عن الطعام العام الماضى بسبب عدم حصوله على 5 أرغفة من العيش المدعم والذى أصر على استمرار الإضراب ورأسه وألف سيف ألا يفك إضرابه إلا بعد أن يحصل على حقه فى الأرغفة الخمسة، ولم يعدل عن قراره إلا بعد تدخل رئيس الوحدة المحلية بالقرية وأعضاء المجلس المحلى وأعطوه حقه.

أو لنختر أستاذ جامعة المنيا الذى التقيته فى ندوة «شركاء التنمية» الأسبوع الماضى والذى حملنى أمانة قال إننى سأحاسب عليها يوم القيامة أن أكتب عن معاناة أهل المنيا الذى تحصل فيها عائلة مكونة من 17 فردا على 18رغيفا مدعما فى اليوم، فى نفس الوقت الذى تحصل فيه عائلة من 4 أفراد على 10 أرغفة. أسألوا هؤلاء قبل أن تقرروا التنازل عن سيادتهم فهم بالحق أصحاب القرار.

0 تعليقات:


Blogspot Templates by Isnaini Dot Com. Powered by Blogger and Supported by Ralepi.Com - BMW Motorcycle