Wednesday, December 30, 2009

المأزق التاريخى للاخوان

أصبح الآن واضحا أن هناك أزمة داخلية طاحنة تعيشها جماعة الإخوان المسلمين ظهرت حينما طلب المرشد العام للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف تصعيد القيادي عصام العريان إلي عضوية مكتب الإرشاد، ورفض المكتب، فغضب المرشد وأعلن عن إصراره علي عدم الترشح لفترة ثانية وكانت هذه الحادثة هي القشة التي قصمت ظهر البعير وأظهرت حجم المأزق التاريخي الذي تعيشه الجماعة وحجم الخلافات الداخلية بين قياداتها والتي بقيت عوامل كثيرة تحول دون ظهورها خلال العقود الماضية.
وقد أظهر هذا المأزق التاريخي أن هناك فريقين داخل الجماعة، كل فريق يحاول أن يتغلب علي الآخر أو يقصيه ، فريق يقوده النائب الأول للمرشد الدكتور محمد حبيب وفريق يقوده الأمين العام للجماعة الدكتور محمود عزت، وقد اتضحت الصورة كاملة حينما ظهر الدكتور محمود عزت معي في برنامجي التليفزيوني بلا حدود يوم الأربعاء 16 ديسمبر، وأعلن في نهاية الحلقة بعد مغالبة أرهقتني في محاولة استخراج معلومة نافعة منه علي مدي ساعة أن مجلس الشوري قرر اختيار مكتب إرشاد ومرشد جديد للجماعة قبل الثالث عشر من يناير القادم، وهو موعد انتهاء ولاية المرشد الحالي محمد مهدي عاكف، ويبدو أن هذا الإعلان مثل صدمة حقيقية لدي كثير من قطاعات الإخوان، علي رأسهم نائب المرشد العام محمد حبيب حينما خرج لوسائل الإعلام في اليوم التالي وصرح بأن ما أعلنه الأمين العام للجماعة يخالف اللوائح وتم دون إعلام لمكتب الإرشاد أو مجلس الشوري.

السؤال المهم هنا هو ما الذي أوصل الإخوان المسلمين إلي هذا المأزق؟ وهذا سؤال صعب ومعقد تماما مثل الحالة المعقدة التي يعيشها الإخوان الآن بعد أكثر من ثمانين عاما علي تأسيسها علي يد الإمام حسن البنا، وخمسين عاما علي اغتياله في الثاني عشر من فبراير عام 1949، فقد اغتيل حسن البنا وعمره لم يتجاوز أربعة وأربعين عاما، وكان مشروعه لم يكتمل بعد ، فترك مقتله فراغاً قيادياً كبيراً تعيشه الجماعة منذ ذلك الوقت فقد بقيت الجماعة طيلة عامين دون مرشد بعد اغتياله، حيث تفاقم الخلاف بين قادتها آنذاك ثم اتفقوا علي مرشد من خارج الجماعة تنظيميا هو المستشار حسن الهضيبي الذي جاء من بعده عدد من المرشدين لم يملك هو أو أي منهم شيئا من مقومات الزعامة والقيادة والحكمة وبعد النظر وفهم المشروع والحضور والضوء الذي كان يميز البنا، وكان حرصهم جميعا لا يتجاوز الحفاظ علي ما تركه البنا دون أي إبداع أو تجديد أو بروز زعامة تاريخية، تقدم الإخوان فكرا وتنظيما إلي العالم من جديد وتكمل المشروع الذي بدأه حسن البنا، كما لعبت المحن والضغوط السياسية والأمنية التي يعيشها الإخوان منذ خمسين عاما دورا كبيرا في التغاضي عن جميع المثالب والأخطاء الداخلية التي أصبحت تتراكم داخل الجماعة دون تصويت، وأصبح التنظيم أهم من الجماعة، بل قزم التنظيم الجماعة وأصبح لا يستوعب إلا من ينطوي تحت بند السمع والطاعة وباقي البنود التي تقتل الإبداع وإبداء الرأي الآخر داخل التنظيم، وربما كان لرجال النظام الخاص الدور الأساسي في الحفاظ علي التنظيم حينما خرجوا من السجون بعد محنتي 1954 و1965، فلعبوا الدور الأساسي في إدارة التنظيم وبقي مكتب الإرشاد ومجلس الشوري وباقي الهيئات الإدارية في الجماعة تدور في إطار ما يخططه ويرتبه رجال النظام الذين وصل أبرزهم مصطفي مشهور إلي منصب المرشد، فيما بقي الآخرون يديرون أمور الجماعة من وراء ستار ويختارون مرشدين لا علاقة لهم بالقيادة من قريب أو بعيد حتي يبقي زمام الأمور بأيديهم ،، لكن المشكلة بقيت داخل الجماعة ومع كل مرشد جاء بعد حسن البنا هي مشكلة الإدارة ومشكلة الرؤية والمشروع والكاريزما والزعامة ومن ثم مشكلة القائد الذي لا يكون دوره مجرد الحفاظ علي التنظيم وإنما قيادة الجماعة برؤية القائد الزعيم والمرشد الملهم، لكن المشكلة بقيت في هؤلاء الرجال الذين يحركون التنظيم من وراء الكواليس ، وهذا من أخطر ما أصاب الجماعة في مقتل، فهؤلاء في النهاية بشر وليسوا ملائكة، ويعتريهم ما يعتري البشر من أمراض وعلل نفسية ومزاجية مهما كانت سلوكياتهم من التقوي والورع والإخلاص، فالتقي الورع تقواه وورعه لنفسه وقليل منها للناس، لكن سياسة أمور الناس تحتاج إلي عقول ونفوس عركتها الدنيا ومصاعب الحياة تعرف طباع البشر وما آل إليه مصير الدنيا من تطور وعلم وتنوع بشري وسياسي ومعرفي ، ويعرفون من فنون الإدارة وسياسية الناس ما يؤهله للعبور بمن تولوا أمرهم مصاعب الحياة وألاعيب السياسة وأنواع الخداع التي تمارسها الأنظمة المستبدة ويعرفون كيف يتعاملون مع الأنظمة القائمة بعقلية الساسة المحنكين، ورجال الدولة المدربين، أما التقوقع في دائرة المحن والابتلاءات والصبر فهذا ضعف وعجز مهين.

إن الأزمة التاريخية التي يعيشها الإخوان اليوم هي نتاج أزمة قيادة وإدارة وإقصاء وإبعاد لكل من له رأي مخالف أو رؤية مبدعة، كما أنها تعكس عجزاً عن صناعة علاقات بكثير من المتعاطفين من الإخوان من السياسيين والمفكرين الذين لهم رؤي إصلاحية ربما تخالف القيادات المتقوقعة علي نفسها وعلي تنظيمها وترفض الاستماع أو الاستفادة من الآخر ، وقد استمر هذا الأمر ما يزيد علي خمسين عاما حتي وصلت الأمور إلي حالة الانفجار القائم، وبالتالي إن لم يتناد المخلصون من قادة الإخوان بل من جميع الإخوان ويتخلوا عن حظوظ أنفسهم التي تتواري تحت الورع أحيانا والمصلحة العامة أحيانا أخري ويصلوا إلي حلول تخرج الإخوان من هذا المأزق، فإن الانشقاق واقع لا محالة وسوف يكون الأخطر في تاريخ الجماعة وسيقدم هؤلاء نهاية الجماعة علي طبق من ذهب إلي كل الأنظمة التي عجزت عن القضاء عليها طيلة ثمانين عاما، وإذا نجا الإخوان من هذه الأزمة وقد أصبح هذا الأمر مستبعدا ـ في رأي كثير من المراقبين ـ فإن عليهم أن يعرفوا كيف يختارون قادتهم وأن يعدلوا لوائحهم ووسائل المحاسبة لقادتهم بشكل لا يسمح لأحد أن يدمر الجماعة علي رؤوس من فيها كما يحدث من بعض القيادات الآن تحت بنود التقوي والورع والإخلاص والحفاظ علي التنظيم، وكل هذا بعيد عن حسن النوايا وهراء وجهل بمقتضيات الحياة وتطور الأحداث، لاسيما أن كثيراً من هؤلاء قضوا عشرات السنين داخل أسوار الإخوان لا يعرفون ماذا يحدث خارجها وهذا سبب خلافهم مع غيرهم من الإخوان الذين اختلطوا بالدنيا والناس وعرفوا كيف يختلفون ويقبلون الآخر، إنها حقا كارثة، لكن كثيرين يتمنون ألا تكون النهاية.

0 تعليقات:


Blogspot Templates by Isnaini Dot Com. Powered by Blogger and Supported by Ralepi.Com - BMW Motorcycle