Sunday, December 27, 2009

فهمى هويدى : من العار الى الخجل

 من صفحة العار إلى صفحة الخجل والخزى. هذا قدرنا فى الأسابيع الأخيرة. كأنما كتب علينا أن نخرج من فضيحة لكى ندخل فى أخرى، فقد صدمنا الخبر الذى أفشته الصحافة الإسرائيلية حين سربت قصة جدار العار الذى كانت تجرى إقامته بعيدا عن الأعين لإحكام خنق غزة وإذلالها، وفى حين لا تزال أصداء الصدمة تتردد فى داخل مصر وخارجها. فإن وكالات الأنباء نقلت إلينا أخبار تحرك عدة مئات من الناشطين فى أوروبا والولايات المتحدة. الذين قرروا أن يعبروا عن تضامنهم مع شعب غزة عبر محاولة كسر الحصار الذى يطوقهم، فى ذكرى العدوان الإسرائيلى على القطاع، الذى انطلق فى مثل هذا اليوم من العام الماضى (27 ديسمبر 2008). تزامن الحدثان على نحو يعمق من شعورنا بالخزى والخجل. فهؤلاء الأوروبيون والأمريكيون جاءوا من أقاصى الدنيا لكى يكسروا الحصار حول غزة، فى الوقت الذى نقيم نحن جدارا مدفونا من الصلب يحكم ذلك الحصار ويسد منافذه. وهى المفارقة المذهلة التى ما خطرت يوما ما على قلب بشر.

اليوم وغدا كان يفترض أن يقف على أبواب غزة موكبان لأولئك النفر من الناشطين الشرفاء، قافلة «شريان الحياة» التى دعا إلى تنظيمها النائب البريطانى جورج جالاوى، وضمت 420ناشطا. خرجوا من لندن فى الخامس من شهر ديسمبر الحالى مستهدفين كسر الحصار، ومصطحبين معهم 70 عربة محملة بالمعونات الطبية والغذائية. اخترقت القافلة دول أوروبا وحطت رحالها فى تركيا. التى استقبلوا فيها بحفاوة بالغة. وهناك أضافت إليهم الجمعيات الأهلية 70 عربة أخرى حملت بكميات أخرى من المساعدات. من تركيا مرورا ببلاد الشام حتى وصلوا إلى الأردن. وفى الطريق كانت تضم إلى الموكب سيارات وشاحنات أخرى. وحين بلغوا ميناء العقبة كان موكبهم قد أصبح يضم 250 عربة مهيأة للانتقال إلى ميناء نويبع فى الجانب المصرى تمهيدا للانطلاق صوب رفح، حيث كان مخططا أن تصل الحملة إليه اليوم (المسافة بين الميناءين 70 كيلو مترا، تقطعها العبارات فيما بين ساعة وثلاث ساعات). لكن مفاجأة كبرى كانت فى انتظارهم حين وصلوا إلى العقبة، ذلك أن السلطات المصرية التى كانت قد أعلنت عن التصريح لهم بالدخول طلبت فجأة من المسئولين عن الحملة أن يكون دخولها من ميناء العريش وليس ميناء نويبع.

هكذا بدلا من أن تعبر الحملة من العقبة إلى نويبع تم تتجه بمحاذاة الحدود إلى رفح مباشرة، أو إلى العريش ثم رفح، فقد أصبح منظموها مطالبين بإحداث تغيير فى مسارهم وتحمل معاناة وعذابات لا حدود لها للوصول إلى هدفهم، بعد أسبوع على الأقل من الموعد الذى حددوه. ناهيك عن التكلفة المالية الباهظة التى تتطلبها عملية شحن 250 سيارة محملة بالمعونات ومعها أكثر من 400 شخص، فى بواخر تتجه جنوبا لتقطع كل خليج العقبة ثم تنعطف شمالا لتخترق خليج السويس. وتعبر بعد ذلك قناة السويس إلى بورسعيد على شاطئ البحر الأبيض، ومن بورسعيد تتجه شرقا إلى العريش ومنها إلى رفح. وهى مسافة تتجاوز ألف كيلو متر فى البحر، لا تكاد تقارن بالسبعين كيلو مترا التى كان يتعين قطعها للانتقال من ميناء العقبة إلى نويبع.

ما لم يكن هناك تفسير معقول لهذا التصرف المفاجئ الذى يصعب افتراض البراءة فيه. فسيكون التفسير الوحيد هو أن مصر أرادت أن تعرقل العملية، وأنها إذا كانت قد وافقت رسميا على استقبال الحملة لأسباب إعلامية ودعائية، فإنها أرادت أن تجهضها من الناحية العملية. وهو افتراض إذا صح فإنه يشكل فضيحة من العيار الثقيل. وإذا كانت السلطات المصرية قد لجأت إلى هذا الأسلوب لعرقلة قافلة «شريان الحياة» التى قادها جورج جالاوى، فلا أعرف كيف ستتصرف مع مسيرة «تحرير غزة» التى يفترض أن تضم نحو 1350 شخصا سيصلون إلى القاهرة اليوم من 42 دولة وينوون الذهاب فى حافلات إلى رفح مع نهاية هذا الأسبوع، علما بأن المسيرة تضم شخصيات لها وزنها فى المجتمعات الغربية. وإذا استخدم معهم الأسلوب ذاته الذى اتبع مع حملة «شريان الحياة»، فإننا سنصبح بصدد موقف بائس لا يشرف مصر أو المصريين الذين يقف أغلبهم متفرجين وذاهلين عما يجرى. الغريب أننا نقدم على تصرفات من هذا القبيل ثم نتساءل بين الحين والآخر: لماذا تغيرت مشاعر بعض العرب تجاهنا؟!

0 تعليقات:


Blogspot Templates by Isnaini Dot Com. Powered by Blogger and Supported by Ralepi.Com - BMW Motorcycle