Sunday, December 27, 2009

الحياء والإنظباط يمنعهم

صديق عزيز عاد من الولايات المتحدة مؤخراً، بعد أن تعرض هناك لتجربة، لا يجوز أن يفوت علينا معناها، فقد كان يقود سيارته على طريق سريع، ويبدو أنه فى لحظة، قد نسى أن الطريق أمريكى وليس مصرياً، ولذلك كان يتحرك بالسيارة من حارة إلى حارة، على الطريق، على نحو ما يفعل أغلبنا نحن هنا، دون أن ينتبه كل واحد يمارس هذا الخطأ على أى طريق عندنا، إلى أنه يرتكب ما يعاقب عليه القانون!
لم ينتبه الصديق إلى حجم ما ارتكبه، إلا بعد أن وصل بيته، فبعد لحظات كان البوليس على الباب، يسأله عما إذا كان هو الذى كان يقود السيارة رقم كذا! فلما أقر الصديق بأنه هو الذى كان يقودها فعلاً، اقترب منه رجل البوليس ليتأكد من أنه لم يكن يقود تحت تأثير مخدر، ولما لم يجد شيئاً من هذا النوع، نبهه إلى أن القيادة على الطريق لها أصول يتعين الالتزام بها تماماً، حماية لأرواح آخرين يشاركونه الطريق ذاته، وهذه الأصول ليس أولها ولا آخرها طبعاً، عدم التراقص بالسيارة يميناً مرة وشمالاً مرات!
وسوف يُصاب كل واحد فينا بالذهول حين يعرف أن كل هذه القصة على أهميتها ليست هى الموضوع الأصلى.. فالموضوع الحقيقى أن مواطناً أمريكياً عادياً هو الذى كان قد تابع الطريقة التى يقود بها الصديق، وهو ــ أى المواطن الأمريكى ــ الذى تطوع بالإبلاغ عن خطأ رآه، وهو الذى قام بدور رجل البوليس فى مكانه، التزاماً بضميره الحى تجاه الذين يشاركونه الطريق، قبل أن يلتزم بأى شىء آخر!
صديقى العزيز يقسم أنه قضى هناك أكثر من شهر، ولم تقع عيناه خلال الشهر على رجل بوليس واحد، ولكن فى المرة التى ارتكب فيها خطأه غير المقصود انشقت الأرض عن البوليس فى لحظة!
ثم إن البعد الأهم فى القضية أن أجمل ما يلفت الانتباه فيها كلها إنما هو وعى المواطن العادى وحساسيته تجاه أى خطأ عابر، حتى ولو كان هيناً بلا أثر، فالمهم أنه لا يسكت عن الخطأ، أى خطأ، والمهم أيضاً أنه يسارع فيشارك المرور مسؤوليته عن سلامة الطريق، وسلامة العابرين عليه، ثم إن المهم أيضاً أن رجل المرور حين يتلقى بلاغاً من هذا النوع يقفز إلى الموقع فى أقل من خمس دقائق!
أمن المواطن لا يحققه هو وحده، ولا يحققه البوليس وحده أيضاً، ولكن وعى الطرفين معاً، ويظل حرص المواطن على أمنه وأمان غيره، وجهاً واحداً يقابله وجه آخر، هو يقظة البوليس، وقدرته على التواجد فى أى موقع، فى غمضة العين، ولابد أن مثل هذه القدرة مرتبطة فى جانب كبير منها، بمدى حصول فرد الأمن على ما يكفيه على المستوى المادى بشكل خاص!
وليس سراً أن أحوال أغلب أفراد البوليس تظل دون المستوى المطلوب مادياً، بكثير، شأنهم طبعاً شأن شرائح كثيرة من الشعب، ولكن إذا كانت هذه الشرائح قد تظاهرت مرات واعتصمت مرات أخرى، طلباً لحقوقها، فرجال البوليس لم يفعلوا لأن الحياء يمنعهم، ومعه الانضباط!

0 تعليقات:


Blogspot Templates by Isnaini Dot Com. Powered by Blogger and Supported by Ralepi.Com - BMW Motorcycle