Sunday, December 27, 2009

بالألوان الطبيعية

الفن التشكيلى محاولة لاصطياد فراشات الصدق والحقيقة بفرشاة اللون والظل والخط والضوء، والفنان التشكيلى كتلة من الأعصاب العارية تمشى على قدمين، والمجتمع الذى يتحمل جنوحه ويفهم معاناته ويتصالح مع شطحاته ومغامراته هو مجتمع صحى قابل للتحضر والرقى، عندما صرخ «فان جوخ» فى الحقل: أريد أن أفهم وأطلق على نفسه الرصاص كانت صرخة افتقاد صدق غائب، وعندما ضرب «مايكل أنجلو» التمثال بأزميله طالباً منه الكلام كان غضباً ينشد الحقيقة، وعندما صمم «دافنشى» نبوءة الغواصة والهليكوبتر بخياله العبقرى كان تعبيراً عن شفافية الخلق والإبتكار.
أسامة فوزى مخرج هبط أرض مصر فى الزمن الخطأ، ظلمه فارق التوقيت، هانى فوزى سيناريست تشغله القضايا الفلسفية الكبرى فى زمن غارق فى تفاهة التفاصيل، رسم الاثنان بورتريهاً لعلاقة المصرى المعاصر بالفن وبالجسد، هذا البنى آدم الذى حمل على كاهله تراثاً فنياً رائعاً منذ الفراعنة، يتعامل، الآن، مع الفن على أنه دنس ونجاسة وكفر، يكره جسده ويختزله فى مجرد عورة، شاب موهوب يبرمجه الأهل على أنه طبيب المستقبل،
المجتمع يغتال موهبته، وعندما يريد أن يتعلم الفن يجد أنهم يؤهلونه لكى يكون صنايعياً فى السوق، يرضى الذوق السائد المتحفظ الكاره للفن أصلاً والذى يفهم الفن على أنه بوسترات الأرصفة التى تغازل تيار التزمت، محبط حتى فى علاقاته العاطفية، لا يحقق ول ايعبر أبداً عما يريده، دائماً هو على مقاس الآخرين، سواء مجتمع أو أهل، لم يستطع أن يقول «أحبك» حتى لأمه، ابتعدت عنه حبيبته حتى تشرنقت داخل النقاب، وعندما بحث عن البديل فى أستاذته وجدها قد حولت الحب إلى ماكينة لتبادل المصالح، ظل يرسم ما يريده العميد وما يريده الزبائن وما يريده الامتحان، خاصم الصدق فخاصمه الفن.
لم يصدق «يوسف» أن الله الخالق أعظم فنان هو ضد الفن، يحرمه ويعذب من يمارسه، لم يصدق أن أجسادنا ما هى إلا مجرد أوعية رذيلة من شحم ولحم، لم يفهم كيف يحل لغز تجريم وإدانة أجمل وأروع اللوحات الفنية فى ظل طبيعة تتجمل فنياً وعندما يبهرنا جمالها نصرخ من فرط الانبهار والسعادة.. الله !!.
فيلم «بحب السيما» لنفس الثنائى كان إيقاعه واحداً لم يتذبذب بين الفانتازيا والواقعية على عكس فيلم «بالألوان الطبيعية» الذى كان يحمل بعض الاضطراب نتيجة هذا التذبذب والتأرجح، وكان عرض أساتذة الكلية بهذا الجنوح الفانتازى الكوميدى غير موفق، وكانت بعض الديالوجات خاصة بين يوسف وإلهام وبين على وعشيقته ذات الأصل الألمانى مباشرة وطويلة نسبياً،
وأيضاً بعض المونولوجات التى كان يخاطب يوسف فيها ربه أفلت منها الإيقاع الذى تسرب إليه الملل أحياناً، ولكنه برغم تلك الملاحظات، فإن الفيلم تمرد ذكى فى مجتمع دفن نفسه فى خندق الشكليات، وحجر ألقى فى بحيرة النفاق الراكدة الآسنة، تهنئة لأسامة وهانى وهمسة فى أذن كل منهما، ليظل كلاكما قابضاً على جمر فنه ولا تحترما فارق التوقيت.

3 تعليقات:

Man U FOREVER said...

I really want to see that movie

Man U FOREVER said...

I really want to see that movie

Unknown said...

مقال رائع لخالد منتصر من المصري اليوم ..
وكالعادة بختلف معاه في بعض النقاط ..
اضافة رائعة يا مريوم .. !


Blogspot Templates by Isnaini Dot Com. Powered by Blogger and Supported by Ralepi.Com - BMW Motorcycle