Wednesday, December 30, 2009

عودة حسن يوسف

خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة ارتبط النجم الكبير «حسن يوسف» بتقديم المسلسلات الدينية.. دائماً لحسن يوسف مسلسل في رمضان ودائماً أيضاً كانت له شكوي بأن المسلسل لا يحظي باهتمام من قبل المسئولين علي وضع الخريطة الرمضانية وأنه يذاع إما والناس نائمة أو مشغولة بإعداد الإفطار أو بعد السحور وهم أيضاً نائمون لا أتذكر من بين كل هذه المسلسلات التي قدمها «حسن يوسف» سوي مسلسل «إمام الدعاة» الذي يتناول سيرة حياة الإمام «محمد متولي الشعراوي» استحوذ المسلسل علي احتفاء وترقب المشاهدين بداية من أغنية التتر التي كتبها «أيمن بهجت قمر» ولحنها «محمود طلعت» وغناها «محمد فؤاد» وهو يردد «آمين آمين.. آمين يا رب العالمين» كان المسلسل هو الأفضل لأنه يتناول أولاً شخصية كاريزمية مثل «الشعراوي» كما أن ارتباط «حسن يوسف» بالشعراوي في السنوات الأخيرة منح أداءه سحراً خاصاً.. لا أتذكر بعد ذلك سوي أن «حسن يوسف» كان يقدم مسلسلات فقيرة إنتاجياً وإبداعياً تتناول شخصيات مؤثرة في حياتنا الدينية ولكنها تمر مرور الكرام ولا يتذكرها أحد.. يبدو «حسن يوسف» وكأنه استسلم تماماً أمام إحساسه بتجاهل المسئولين لما يقدمه رغم أن هناك ترديا إبداعيا ملحوظا في هذه المسلسلات أكد «حسن يوسف» أنه سيتجه إلي المسلسلات الاجتماعية وحدد الشخصيات التي يتمني تقديمها وكلها تحمل ملامح إيجابية فأعادنا الفنان الكبير إلي المربع رقم واحد في الدراما عندما يعتقد البعض أن المطلوب للفنان الذي أصبح يطلق عليه ملتزم - والمقصود به المتدين - أن يقدم شخصيات إيجابية ونتجاهل تماماً أن العمل الفني حتي يكتمل فإن الأمر لا يخلو أبداً من شخصيات سلبية وأن الممثل المبدع الذي له موهبة بحجم «حسن يوسف» يستطيع أن يجيد توصيلها وفي النهاية فإن رسالة الفن ستظل تواجه الشر وتدعو للخير.. من الواضح أن «حسن يوسف» لا يزال يقف فكرياً عند حدود الشخصية الدرامية الإيجابية فإذا لم يكن العمل الفني دينياً فإنه يفضل فقط الأعمال الاجتماعية التي يؤدي هو فيها شخصية الطيب المعطاء الذي يحمل علي كتفيه كل مبادئ التقوي والفضيلة؟!

أتذكر أن المخرج «إسماعيل عبد الحافظ» طلب قبل 10 سنوات من «حسن يوسف» أن يشارك «سميرة أحمد» في بطولة مسلسل «امرأة من زمن الحب» وهو الدور الذي أداه بعد ذلك «يوسف شعبان» واشترط «عبد الحافظ» أن يحلق «حسن يوسف» ذقنه التي لا تتلاءم مع الشخصية فكان رد «حسن يوسف» أوافق علي شرط واحد أن يحلق المخرج شنبه والغريب أن «عبد الحافظ» كان ولا يزال ليس لديه شنب!!

أري في «حسن يوسف» مهما تقدم به العمر قدرة علي الأداء علي شرط واحد أن يمتلك المرونة اللازمة لتقبل كل الأدوار الخيرة منها والشريرة فإذا عاد «حسن يوسف» إلي هذه القناعة فلا شك أنه سوف يعود إلي مكانته التي صنعتها له أفلامه ومسلسلاته ومسرحياته.

المأزق التاريخى للاخوان

أصبح الآن واضحا أن هناك أزمة داخلية طاحنة تعيشها جماعة الإخوان المسلمين ظهرت حينما طلب المرشد العام للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف تصعيد القيادي عصام العريان إلي عضوية مكتب الإرشاد، ورفض المكتب، فغضب المرشد وأعلن عن إصراره علي عدم الترشح لفترة ثانية وكانت هذه الحادثة هي القشة التي قصمت ظهر البعير وأظهرت حجم المأزق التاريخي الذي تعيشه الجماعة وحجم الخلافات الداخلية بين قياداتها والتي بقيت عوامل كثيرة تحول دون ظهورها خلال العقود الماضية.
وقد أظهر هذا المأزق التاريخي أن هناك فريقين داخل الجماعة، كل فريق يحاول أن يتغلب علي الآخر أو يقصيه ، فريق يقوده النائب الأول للمرشد الدكتور محمد حبيب وفريق يقوده الأمين العام للجماعة الدكتور محمود عزت، وقد اتضحت الصورة كاملة حينما ظهر الدكتور محمود عزت معي في برنامجي التليفزيوني بلا حدود يوم الأربعاء 16 ديسمبر، وأعلن في نهاية الحلقة بعد مغالبة أرهقتني في محاولة استخراج معلومة نافعة منه علي مدي ساعة أن مجلس الشوري قرر اختيار مكتب إرشاد ومرشد جديد للجماعة قبل الثالث عشر من يناير القادم، وهو موعد انتهاء ولاية المرشد الحالي محمد مهدي عاكف، ويبدو أن هذا الإعلان مثل صدمة حقيقية لدي كثير من قطاعات الإخوان، علي رأسهم نائب المرشد العام محمد حبيب حينما خرج لوسائل الإعلام في اليوم التالي وصرح بأن ما أعلنه الأمين العام للجماعة يخالف اللوائح وتم دون إعلام لمكتب الإرشاد أو مجلس الشوري.

السؤال المهم هنا هو ما الذي أوصل الإخوان المسلمين إلي هذا المأزق؟ وهذا سؤال صعب ومعقد تماما مثل الحالة المعقدة التي يعيشها الإخوان الآن بعد أكثر من ثمانين عاما علي تأسيسها علي يد الإمام حسن البنا، وخمسين عاما علي اغتياله في الثاني عشر من فبراير عام 1949، فقد اغتيل حسن البنا وعمره لم يتجاوز أربعة وأربعين عاما، وكان مشروعه لم يكتمل بعد ، فترك مقتله فراغاً قيادياً كبيراً تعيشه الجماعة منذ ذلك الوقت فقد بقيت الجماعة طيلة عامين دون مرشد بعد اغتياله، حيث تفاقم الخلاف بين قادتها آنذاك ثم اتفقوا علي مرشد من خارج الجماعة تنظيميا هو المستشار حسن الهضيبي الذي جاء من بعده عدد من المرشدين لم يملك هو أو أي منهم شيئا من مقومات الزعامة والقيادة والحكمة وبعد النظر وفهم المشروع والحضور والضوء الذي كان يميز البنا، وكان حرصهم جميعا لا يتجاوز الحفاظ علي ما تركه البنا دون أي إبداع أو تجديد أو بروز زعامة تاريخية، تقدم الإخوان فكرا وتنظيما إلي العالم من جديد وتكمل المشروع الذي بدأه حسن البنا، كما لعبت المحن والضغوط السياسية والأمنية التي يعيشها الإخوان منذ خمسين عاما دورا كبيرا في التغاضي عن جميع المثالب والأخطاء الداخلية التي أصبحت تتراكم داخل الجماعة دون تصويت، وأصبح التنظيم أهم من الجماعة، بل قزم التنظيم الجماعة وأصبح لا يستوعب إلا من ينطوي تحت بند السمع والطاعة وباقي البنود التي تقتل الإبداع وإبداء الرأي الآخر داخل التنظيم، وربما كان لرجال النظام الخاص الدور الأساسي في الحفاظ علي التنظيم حينما خرجوا من السجون بعد محنتي 1954 و1965، فلعبوا الدور الأساسي في إدارة التنظيم وبقي مكتب الإرشاد ومجلس الشوري وباقي الهيئات الإدارية في الجماعة تدور في إطار ما يخططه ويرتبه رجال النظام الذين وصل أبرزهم مصطفي مشهور إلي منصب المرشد، فيما بقي الآخرون يديرون أمور الجماعة من وراء ستار ويختارون مرشدين لا علاقة لهم بالقيادة من قريب أو بعيد حتي يبقي زمام الأمور بأيديهم ،، لكن المشكلة بقيت داخل الجماعة ومع كل مرشد جاء بعد حسن البنا هي مشكلة الإدارة ومشكلة الرؤية والمشروع والكاريزما والزعامة ومن ثم مشكلة القائد الذي لا يكون دوره مجرد الحفاظ علي التنظيم وإنما قيادة الجماعة برؤية القائد الزعيم والمرشد الملهم، لكن المشكلة بقيت في هؤلاء الرجال الذين يحركون التنظيم من وراء الكواليس ، وهذا من أخطر ما أصاب الجماعة في مقتل، فهؤلاء في النهاية بشر وليسوا ملائكة، ويعتريهم ما يعتري البشر من أمراض وعلل نفسية ومزاجية مهما كانت سلوكياتهم من التقوي والورع والإخلاص، فالتقي الورع تقواه وورعه لنفسه وقليل منها للناس، لكن سياسة أمور الناس تحتاج إلي عقول ونفوس عركتها الدنيا ومصاعب الحياة تعرف طباع البشر وما آل إليه مصير الدنيا من تطور وعلم وتنوع بشري وسياسي ومعرفي ، ويعرفون من فنون الإدارة وسياسية الناس ما يؤهله للعبور بمن تولوا أمرهم مصاعب الحياة وألاعيب السياسة وأنواع الخداع التي تمارسها الأنظمة المستبدة ويعرفون كيف يتعاملون مع الأنظمة القائمة بعقلية الساسة المحنكين، ورجال الدولة المدربين، أما التقوقع في دائرة المحن والابتلاءات والصبر فهذا ضعف وعجز مهين.

إن الأزمة التاريخية التي يعيشها الإخوان اليوم هي نتاج أزمة قيادة وإدارة وإقصاء وإبعاد لكل من له رأي مخالف أو رؤية مبدعة، كما أنها تعكس عجزاً عن صناعة علاقات بكثير من المتعاطفين من الإخوان من السياسيين والمفكرين الذين لهم رؤي إصلاحية ربما تخالف القيادات المتقوقعة علي نفسها وعلي تنظيمها وترفض الاستماع أو الاستفادة من الآخر ، وقد استمر هذا الأمر ما يزيد علي خمسين عاما حتي وصلت الأمور إلي حالة الانفجار القائم، وبالتالي إن لم يتناد المخلصون من قادة الإخوان بل من جميع الإخوان ويتخلوا عن حظوظ أنفسهم التي تتواري تحت الورع أحيانا والمصلحة العامة أحيانا أخري ويصلوا إلي حلول تخرج الإخوان من هذا المأزق، فإن الانشقاق واقع لا محالة وسوف يكون الأخطر في تاريخ الجماعة وسيقدم هؤلاء نهاية الجماعة علي طبق من ذهب إلي كل الأنظمة التي عجزت عن القضاء عليها طيلة ثمانين عاما، وإذا نجا الإخوان من هذه الأزمة وقد أصبح هذا الأمر مستبعدا ـ في رأي كثير من المراقبين ـ فإن عليهم أن يعرفوا كيف يختارون قادتهم وأن يعدلوا لوائحهم ووسائل المحاسبة لقادتهم بشكل لا يسمح لأحد أن يدمر الجماعة علي رؤوس من فيها كما يحدث من بعض القيادات الآن تحت بنود التقوي والورع والإخلاص والحفاظ علي التنظيم، وكل هذا بعيد عن حسن النوايا وهراء وجهل بمقتضيات الحياة وتطور الأحداث، لاسيما أن كثيراً من هؤلاء قضوا عشرات السنين داخل أسوار الإخوان لا يعرفون ماذا يحدث خارجها وهذا سبب خلافهم مع غيرهم من الإخوان الذين اختلطوا بالدنيا والناس وعرفوا كيف يختلفون ويقبلون الآخر، إنها حقا كارثة، لكن كثيرين يتمنون ألا تكون النهاية.

القتل بحجة التأمين

كلما تكلم أحدهم عن حالة الشلل المرورى التى تصيب البلد بسبب موكب الرئيس، كنت أطوى صفحة هذا الكلام وأتوقف عن الخوض فيه باعتباره من المعلوم بالضرورة، وباعتبار أن قصصا كثيرة مثل الطلبة الذين تأخروا عن الامتحان، أو السيدات الحوامل اللاتى يلدن فى الإشارات، جعلت من أمر موكب الرئيس والمشاكل التى يسببها من مسلمات الحياة المصرية، بسبب هذا كنت أعتبر أن أى حديث عن مواكب الرئيس التى تخنق البلد، وزيارته التى تغلق المحافظات فى وجه أهلها لا فائدة منه، طالما أن رجال السيد الرئيس قرروا أن يعزلوه عن الناس، أو حتى لا أظلمهم قرروا أو يوفروا له الحماية الأمنية القصوى بغض النظر عن معاناة الشعب.

ولا أعرف إن كان الرئيس مبارك الذى شاهدناه مهتما بالطالبة آلاء يعلم أن عشرات الطلاب يتأخرون عن امتحاناتهم بسبب مواكبه، و بما يحدث فى المحافظات التى يقرر زيارتها أم لا، فالأمن فى الأقاليم يسعى لتأكيد حرفيته وجودة عمله فى تأمين الزيارة الرئاسية بفرض المزيد من القيود على حركة الناس وحياتهم، قد تصل لحد فرض حظر شفهى للتجول، وينفذون كل ذلك بعقول يغلب عليها صدأ الروتين والخوف دون مراعاة لمصالح الناس وحياتهم.

بالأمس فقط شعرت بتلك المعاناة.. دعونى أخبركم بأننى الآن أحمل شحنة غضب وحيرة تجاه زيارات الرئيس مبارك وطريقة تأمينه خاصة تلك الزيارات التى يتوجه فيها سيادته إلى المحافظات.

فى مساء السبت تعرض عمى لحادث سير بشع على طريق مدينة بورسعيد، وهذا أمر حدوثه أصبح طبيعيا فى دولة لا يعيش لها نظام مرورى، ولا يمكن التنبؤ بعيوب طرقها، أو الهبوطات الأرضية التى تملأ شوارعها، أو تعديلات حواريها، أعرف تماما أن ماحدث لعمى قضاء وقدر نحمد الله عليه، وندعوه أن يمر الرجل صاحب الأطفال الخمسة من أزمته الصحية على خير، ولكن حتى هنا لابد أن يتوقف كلام العطف والشفقة، لأن ماحدث ينتمى إلى أشد مناطق الخطورة.

جزء كبير من سبب الحادث يعود إلى غياب الإنارة عن الطريق، وعدم وجود إرشادات كافية تخبر الرجل باحتمال الاصطدام مع كتل حجرية زرعها المرور كيفما اتفق.. أما الجانب الأخطر فتبدأ تفاصيله بعد الحادث.. منذ اللحظة التى اكتشف فيها المرافقون لعمى أنه لايوجد مستشفى مجهز لاستقبال رجل يعانى من اشتباه فى وجود انفجار بالعينين وكسور فى الجمجمة وكثير من التمزق فى أجزاء الوجه المختلفة، ومرورا بعدم وجود وحدة أشعة مجهزة سوى خارج مستشفيات الحكومة، وانتهاء بثلاثة أطباء ظلت الممرضة التى أشفقت على حالة الرجل «تشحتهم» من أرجاء المستشفى الأميرى ببورسعيد، وأخذوا الرجل ودخلوا غرفة العمليات ليبقوا معه لمدة ثلاث ساعات دون أن يفعلوا شيئا سوى خياطة بعض الجروح على طريقة خياطة أشولة الأرز، ثم التحجج بأنهم ليسوا خبراء فى ذلك الأمر، ثم الإفتاء بأن حالة عينيه المزرية يمكنها أن تتحمل لمدة 15 يوما.

حتى هنا أيضا والأمر طبيعى، لأن هذا حال مستشفيات الحكومة فى مصر، ونصيب عمى أن الحادث وقع ليلا ولم يستطع نجله الصغير المرافق له سوى أن يتصرف بهذا الشكل، أما الأخطر فيبدأ منذ تلك اللحظة التى توافد فيها بقية الأقارب والأصدقاء، وتفجعهم حالة المصاب ويقرروا على الفور نقله إلى القاهرة حيث أماكن العلاج المضمونة، دعك من أن الشبورة الكثيفة وحالة عمى السيئة أجبرتهم على البقاء لصباح اليوم التالى، وركز جيدا فيما سأقوله.. فى تمام الساعة السابعة أردنا أن نحمل مصابنا ونلحقه بأحد مستشفيات القاهرة حتى لا نفاجأ بطبيب يخبرنا بأننا تأخرنا على المريض، كانت المفاجأة الأولى أن السادة الأطباء فى المستشفى الأميرى لا يحضرون قبل العاشرة، وأن هناك إجراءات لا يمكن تجاوزها خاصة بتقرير طبى ومحضر أمنى، ولم يرق قلب أحدهم أو يفزع لفكرة أن كل دقيقة تأخير قد تعنى عاهة مستديمة لهذا الرجل، ثم حدثت الطامة الكبرى حينما بدأنا نطلب سيارة إسعاف لنقل عمى إلى القاهرة.. وسمعت كلمات وددت بعدها لو لم أكن مصريا، أو أضع حزاما ناسفا حول جسدى لأفجره فى أى شىء قد يغضب هذه الحكومة ويكشف عورتها.

ما سمعته كالأتى: لا توجد سيارات إسعاف حكومية جاهزة للخروج لأن المحافظة كلها فى حالة «ستاند باى» بسبب زيارة الرئيس، لا تتصوروا أن الكلام كان من موظف مخمور، بل أكد عليه موظفو المستشفيات الخاصة التى ذهبنا نستنجد بسيارات إسعافها، ففوجئنا بأن سياراتهم معطلة إجباريا بسبب حادث، ونصحونا بأن نطلب سيارة إسعاف من محافظة دمياط لأنه لا أحد فى بورسعيد سيفرط فى سيارة إسعافه والرئيس قادم، لأن المحافظة كلها تعيش حالة غير طبيعية تحت بند تأمين زيارة السيد الرئيس.

طبعا أنا على ثقة كاملة أن ماحدث هنا لا علاقة له بتعليمات رئاسية ولا حتى أمنية، لأن تأمين زيارة الرئيس لن يتوقف على سيارات إسعاف المستشفيات العامة فلمن يكون الإسعاف الطائر إذن؟! ولكنها الروح الروتينية الجبانة التى تسيطر على موظفينا ومحافظينا فتجعلهم يتصرفون بتلك السذاجة وذلك البله والعته الذى يجعلهم لا يرون سوى المسئولين الكبار، أما غلابة الشعب فليذهبوا للجحيم.

المهم انتظرنا سيارة الإسعاف التى أتت من دمياط، وأكرمنا الله بطريق سالك بلا زحام ووصلنا إلى المستشفى الذى يرقد به عمى المريض الآن بين يدى خالقه، وعدد من الأطباء فى المستشفى الدولى للعيون الذى أتمنى أن يجعل الله فى أيديهم بركة الشفاء، وأن يجعلهم سرا من أسرار عدم حرمان عمى من نور عينيه الذى كاد يفقده بسبب محاولة أبوية لإنقاذ ابنه من قسوة الحادث.. يارب اشفِه، ويارب لا تقدر بوقوع أى حوادث فى أى مكان يزوره الرئيس أو أحد رجاله.

من اين يطلع الدين

للناس فى إخراج غضبهم ملل ومذاهب فأشرسهم يعمد إلى تحطيم ما أمامه من أشياء أو أشخاص، وألينهم طبعا ذلك الذى يضع غله فى أظافره فيقرضها حتى اللحم، ولكن لأن الوزراء فى مصر يتضخم غضبهم ليتلاءم مع مناصبهم فإن ما قاله يوسف بطرس غالى وزير المالية فى مجلس الشعب بأنه "هيطلع دين اللى خلفوه" مبررا على مستوى غضب الرجل، فهو اقتصادى عالمى ذو مكانة دولية معروفة، وبالتالى فإنه حين يغضب لن يعصف بأظافره أو حتى يخلع جاكيت البدلة ليرميه فى وجه نواب الشعب، طبيعى جدا أن يتمطى وزير المالية وينتفخ ليملأ مقعده ثم يقول مثل هذا التعبير، ولكن ما يؤخذ عليه هو أنه لم يلحظ أن لحظة الصمت التى علت وجه النواب بعدها لم تكن بسبب صدمة الشتيمة، ولكن لأن أغلبهم تساءل فى قرارة نفسه "من أين يطلع الدين الذى يقصده غالى".

النواب أصابهم الحرج أيضا من أن يسألوا وزير المالية عن مكان خروج "الدين" من البنى آدم الذى سيقوده حظه العاثر ليقف فى دائرة عقاب غالى، الوحيد الذى فهمها وعرف من أين يطلع دين ضحايا غالى،المهندس أحمد عز فهو قال بالنص "نجرى ورا اللى خالف" فعز يعلم جيدا أن الدين موجود بالصدور، فكيف سيجرى وزير المالية وراء شخص ليطلع دينه، هو هنا بالتأكيد سيلجأ لسبل لا ترضاها الأخلاق أو الدين نفسه، لهذا السبب كان عز أكثر من جادلوا يوسف بطرس غالى فى أسلوبه الجديد لتنظيم البلد.

الأمر الأخير أنك إذا كنت من أنصار التمسك بأذيال المواضيع لتتحدث عن كيف يقول وزير فى حكومة المفترض أنها محترمة، ألفاظا مثل هذه تحت قبة واحد من أعرق البرلمانات فى العالم، إجابتى هنا ستضطرك إلى الرجوع قليلا بذاكرتك إلى أحداث أكثر إهانة شهدها مجلس الشعب من نعت النواب لبعضهم البعض بالغباء، ورفع "الجزم" فى وجه زملائهم، فلماذا نستكثر على وزير المالية بكل ما يعنيه المنصب من أن يطلع "دين" المواطن، ليس مستبعدا أن تتشكل لجنة مستقبلا فى مجلس الشعب تسمى "لجنة الردح والشتائم وسب الديانات" ويجمع فيها النواب الشاتمين وأصحاب السوابق لدراسة مستحدثات البذاءة وقلة الأدب فى الشارع المصرى، ويكون بطرس غالى عضوا فيها بالتعيين.. يا صديقى ما لا تعلمه أن الكثيرين ممن لا يتعاملون مع المال يتجاهلون الدين، فبدلا من مصمصة الشفاه على هفوة وزير المالية علينا أن نعمل جاهدين لنعلم البرلمانيين الحاليين والأجيال القادمة منهم أمرا هاما "من أين يطلع الدين؟؟؟"

الزوجة والحكومة

من بين جميع شعوب أهل الأرض، ينفرد المصريون بأغرب لقب يمكن أن يطلقه زوج على زوجته وهو "الحكومة"، وقد يعتقد البعض أن الأمر مجرد مداعبة ذكورية عابرة يتبادلها الأزواج – همساً – فى الأماكن المحصنة الآمنة أو نكتة بايخة وقديمة، والحقيقة أن هناك أسباباً عميقة تكمن وراء هذا "الانفراد" العالمى.. وشواهد واقعية تؤكد أن التطابق بين "المدام" و"السلطة" حقيقة مصرية لا مفر منها..

1- يحترف الطرفان لغة التشهير والمعايرة.. "الحكومة تعاير الشعب بما أنفقته على البنية التحتية من صرف صحى وطرق وكبارى والزوجة تعاير الزوج بما تشتريه من قمصان نوم ساخنة ولا يُستفاد منها".

2- الطرفان لا يستطيع الزوج تغييرهما مهما تسببا فى كوارث.. "غرق العَّبارات وتصادم القطارات والانهيارات الصخرية فوق رؤوس الفقراء فضلاً عن شياط حلة الرز ونقص الملح فى طبق الشوربة".

3- يبرع الطرفان فى إبراء ذمتهما من أى مسئولية تجاه الأوضاع المتدهورة وينحيان باللائمة على الطرف المغلوب على أمره.. "تقول الحكومة إن الشعب هو المسئول عن الفقر وانهيار الخدمات الأساسية بسبب المعدل العالى للإنجاب وما يترتب عليه من كثافة سكانية تلتهم جهود التنمية وتقول الزوجة إن البيه زوجها لو كان شاطر زى أصحابه وسافر الخليج أو ارتشى مكنتش عملت خدها مداس للى يسوى واللى مايسواش".

4- المعدن الأصيل يظهر وقت الشدة وهذه خصلة يفتقدها الزوج فى الطرفين.. "الحكومة تركت ضحايا الزلازل والسيول بلا مأوى فى الشوارع أما الزوجة فتصرخ فى وجه زوجها – وقد فشل فى أداء واجب الزوجية –: شوف لك حل.. أنا خلاص موش قادرة استحمل العذاب ده.. الموضوع طوَّل وأعصابى تعبت!

5- يبذل الطرفان – الزوجة والحكومة – جهوداً دؤوبة ومثمرة ولا يرتاحا إلا إذا أصبح الزوج على الحديدة ونحن لا نزال فى العشر الأوائل من الشهر.. "الدروس الخصوصية الإضافية فى حالة الطرف الأول والضرائب والرسوم فى حالة الطرف الثانى".

6- لا يتوقع الزوج من الاثنين سوى الأخبار السيئة دوماً.. "ما إن يطالع الجريدة صباحاً أو يعود إلى المنزل فى نهاية اليوم".

7- إذا حدث – وهذا من نوادر الزمان – أن استمع إلى خبر جيد فإنه يتوقع مصيبة وراءه.. "تعلن الحكومة عن زيادة تافهة فى رواتب موظفى الدولة فيكون ذلك تمهيداً لموجة جديدة شرسة من ارتفاع الأسعار، وتستقبل الزوجة زوجها – على غير العادة – بقبلة وأكلة يحبها، فيكون ذلك تمهيداً نفسياً ليتقبل فكرة أن حماته ستطب على البيت فى زيارة بعد ساعة زمن وهتبات الليلة دى عندنا"!

8- يستخدم الطرفان براعتهما فى اللغة للتحايل على الواقع السيئ.. "الحكومة تقول: تحريك الأسعار بدلاً من زيادة الأسعار والزوجة تقول: عملت لك أكلة نواشف عشان نكسر الروتين بدلاً من أن تقول: ملقتش وقت أطبخ".

9- يتلذذ الطرفان بقمع حقوق الإنسان التى نص عليها الإعلان العالمى للأمم المتحدة.. "الحكومة تترك الزوج فريسة سهلة لمساومات أمين شرطة فى إشارة مرور والزوجة تفرض عليه مشاهدة المسلسلات الرومانسية التركية بكل سخفها ومللها".

10- يتحمس الطرفان للإنفاق ببذخ على أشياء لا طائل حقيقى من ورائها.. "مخصصات الموازنة العامة لبناء سجون جديدة، وميزانية المدام لشراء المزيد من المانكير والروج فضلاً عن الانتظام فى الذهاب للكوافير".

11- يحظر الطرفان على الزوج الاتصال بالعالم الخارجى.. "الحكومة تمنعه من تلقى معونات خارجية لجمعيته الأهلية الوليدة، والزوجة لا تستريح لفكرة إنشائه صفحة على الفيس بوك".

12- يكن الطرفان ازدراءً عميقاً واحتقاراً واضحاً لظاهرة إيجابية تؤكد أن المجتمع المصرى لا يزال حياً وهى الوقفات الاحتجاجية السلمية "الحكومة تصف المحتجين بأنهم قلة مندسة تهدف لتكدير السلم العام، والزوجة تقول: قُطعوا وقُطعت سنينهم.. دا إحنا فينا اللى مكفينا".

13- يمارس الطرفان أقصى أنواع الرقابة على الزوج وفق مبررات غامضة.. "الحكومة تتجسس على اتصالاته التليفونية والزوجة تتجسس على لقاءاته بآخر صديق من شلة العزوبية".

14- يرفع الزوج شعار.. "إن كان لك حاجة عند الكلب قول له يا سيد" فى تعامله مع كلا الطرفين.

15- يتلقى الزوج قدراً هائلاً من الذل والإهانة من الطرفين لكنه – فى الحالتين – يتحمل فى صمت حرصاً على أولاده.. "حتى لا ينشأوا لأب مطلق إذا أغضب زوجته، أو يتامى إذا أغضب الحكومة".

Sunday, December 27, 2009

بالألوان الطبيعية

الفن التشكيلى محاولة لاصطياد فراشات الصدق والحقيقة بفرشاة اللون والظل والخط والضوء، والفنان التشكيلى كتلة من الأعصاب العارية تمشى على قدمين، والمجتمع الذى يتحمل جنوحه ويفهم معاناته ويتصالح مع شطحاته ومغامراته هو مجتمع صحى قابل للتحضر والرقى، عندما صرخ «فان جوخ» فى الحقل: أريد أن أفهم وأطلق على نفسه الرصاص كانت صرخة افتقاد صدق غائب، وعندما ضرب «مايكل أنجلو» التمثال بأزميله طالباً منه الكلام كان غضباً ينشد الحقيقة، وعندما صمم «دافنشى» نبوءة الغواصة والهليكوبتر بخياله العبقرى كان تعبيراً عن شفافية الخلق والإبتكار.
أسامة فوزى مخرج هبط أرض مصر فى الزمن الخطأ، ظلمه فارق التوقيت، هانى فوزى سيناريست تشغله القضايا الفلسفية الكبرى فى زمن غارق فى تفاهة التفاصيل، رسم الاثنان بورتريهاً لعلاقة المصرى المعاصر بالفن وبالجسد، هذا البنى آدم الذى حمل على كاهله تراثاً فنياً رائعاً منذ الفراعنة، يتعامل، الآن، مع الفن على أنه دنس ونجاسة وكفر، يكره جسده ويختزله فى مجرد عورة، شاب موهوب يبرمجه الأهل على أنه طبيب المستقبل،
المجتمع يغتال موهبته، وعندما يريد أن يتعلم الفن يجد أنهم يؤهلونه لكى يكون صنايعياً فى السوق، يرضى الذوق السائد المتحفظ الكاره للفن أصلاً والذى يفهم الفن على أنه بوسترات الأرصفة التى تغازل تيار التزمت، محبط حتى فى علاقاته العاطفية، لا يحقق ول ايعبر أبداً عما يريده، دائماً هو على مقاس الآخرين، سواء مجتمع أو أهل، لم يستطع أن يقول «أحبك» حتى لأمه، ابتعدت عنه حبيبته حتى تشرنقت داخل النقاب، وعندما بحث عن البديل فى أستاذته وجدها قد حولت الحب إلى ماكينة لتبادل المصالح، ظل يرسم ما يريده العميد وما يريده الزبائن وما يريده الامتحان، خاصم الصدق فخاصمه الفن.
لم يصدق «يوسف» أن الله الخالق أعظم فنان هو ضد الفن، يحرمه ويعذب من يمارسه، لم يصدق أن أجسادنا ما هى إلا مجرد أوعية رذيلة من شحم ولحم، لم يفهم كيف يحل لغز تجريم وإدانة أجمل وأروع اللوحات الفنية فى ظل طبيعة تتجمل فنياً وعندما يبهرنا جمالها نصرخ من فرط الانبهار والسعادة.. الله !!.
فيلم «بحب السيما» لنفس الثنائى كان إيقاعه واحداً لم يتذبذب بين الفانتازيا والواقعية على عكس فيلم «بالألوان الطبيعية» الذى كان يحمل بعض الاضطراب نتيجة هذا التذبذب والتأرجح، وكان عرض أساتذة الكلية بهذا الجنوح الفانتازى الكوميدى غير موفق، وكانت بعض الديالوجات خاصة بين يوسف وإلهام وبين على وعشيقته ذات الأصل الألمانى مباشرة وطويلة نسبياً،
وأيضاً بعض المونولوجات التى كان يخاطب يوسف فيها ربه أفلت منها الإيقاع الذى تسرب إليه الملل أحياناً، ولكنه برغم تلك الملاحظات، فإن الفيلم تمرد ذكى فى مجتمع دفن نفسه فى خندق الشكليات، وحجر ألقى فى بحيرة النفاق الراكدة الآسنة، تهنئة لأسامة وهانى وهمسة فى أذن كل منهما، ليظل كلاكما قابضاً على جمر فنه ولا تحترما فارق التوقيت.

هزيمة السفينة

ليس مهما أن تفهم سر بناء مصر جدارا فولاذيا على حدودها مع غزة، ولا تفعل الأمر نفسه فى حدودها مع إسرائيل، وليس ضروريا أن تفتش عن أسباب تجعل مصر تضع عراقيل أمام قافلة مساعدات لأهالى غزة.
المهم أنك يستحيل أن تصدق أن هذا يحدث حماية للأمن القومى المصرى، ويستحيل أن يقنعك كلام حسام زكى، أو من ولاه متحدثا رسميا لوزارة تثبت يوميا أنها بارعة فى الفشل، ونشطة فى تشويه صورة مصر وتحجيم دورها وتحقير شأنها.
لا تصدق كلام المتحدث الرسمى لوزارة الخارجية، فالكلام لا منطق له، ولا تنطلى نبرات الوطنية والعزة إلا على من جمد عقله وأغلق عينيه.كلام «المتحدث» معناه أن مصر خائفة من فلسطينيين لا حول لهم ولا قوة، ولا تخاف من جارتها النووية، والتى يقول لنا التاريخ إنها دولة سفك الدماء ودفن الأسرى أحياء والمتاجرة بالأعضاء البشرية، دولة رائدة فى الإبادة الجماعية وبارعة فى جرائم الحرب.
وحتى لو كان مليون ونصف المليون فلسطينى «سكان قطاع غزة» مسلحين ويضمرون لمصر شرا، ولا نملك غير جدار يعزلنا عن عالمنا العربى، فهذا هو العار، لأن هذا يعنى أننا غير قادرين على حماية حدودنا من الضعفاء. مؤكد أننا لا ننسى رد الرئيس حسنى مبارك على صراخ الإسرائيليين من الأنفاق: «أغلقوا أنتم هذه الأنفاق إذا كانت موجودة»، فما الذى جد؟ هل فجأة أصبح أمننا فى خطر؟ هل يمكن أن نكون خائفين إلى هذا الحد من حماس بعدما فشلنا فى احتوائها سياسيا، بينما احتوتها «قطر»؟.. وهل يمكن أن نصبح عدوا بديلا لـ«حماس»؟
هذا الجدار كان حلما إسرائيليا منذ سنوات باعتباره أنسب وسيلة لخنق فلسطينى غزة، لكنها لم تفعل وتركت هذه المهمة «القذرة» ليقوم بها أقرب الناس مودة ورحمة لأهل غزة، لتتفرغ هى للإجهاز على ما تبقى من أحياء فى غزة، وتحويل مصر إلى عدو أكبر للفلسطينيين ولمن بقيت فى أجسادهم دماء عربية.
ولعلنا لم ننس الاتفاق الأمنى بين إسرائيل وأمريكا، فى الأيام الأخيرة لحكم جورج بوش، وغضب مصر من هذا الاتفاق، لكننا لم نفهم سر الغضب المصرى إلى الآن، وبعدما جاء الإعلان عن بناء جدار فولاذى بعمق ١٨ مترا على الحدود مع غزة من الأمريكان والإسرائيليين، مع نفى مصرى ثم ارتباك فى التصريحات ثم تأكيد وزير الخارجية أن من حق مصر حماية أمنها، وهذا يعنى أن غضب النظام، وقتها، كان بسبب تجاهله أو عدم إشراكه، لذلك ذهب إلى أبعد مدى فى الوفاء عندما طلب منه المشاركة، فشيد بنفسه جدارا من الغضب والكراهية بينه وبين أشقائه العرب.
فى الوقت نفسه كان واضحا، من كلام المتحدث باسم خارجيتنا، أن مصر خائفة من دخول قافلة «الحياة ٣» القادمة من أوروبا والتى يريد منظموها الوصول إلى ميناء نويبع ثم برا إلى العريش ثم إلى غزة، بحجة أن مصر لا تستطيع تأمين مرور قافلة تضم ٥٠٠ فرد و١٥٠ سيارة وشاحنة - حسب كلام المتحدث الرسمى: «تلك منطقة حساسة والتواجد المدنى فيها له محدداته، وهذه قافلة أجنبية وتحتاج إلى تأمين من نوع مختلف..» فما الذى يضر مصر فى السماح لقافلة إغاثة إنسانية يرأسها نائب بريطانى فى المرور بالطريق المناسب طالما كان منفذا شرعيا غير جلب الكراهية؟! وهل تلك معارك خارجيتنا؟!


Blogspot Templates by Isnaini Dot Com. Powered by Blogger and Supported by Ralepi.Com - BMW Motorcycle