Sunday, December 27, 2009

خالد الخميسى امبراطورية الخجل

 قابلته ووجدته مغتما. سألته عن السبب فقال لى أنهم يقبضون على كل مبتسم. ابتسمت غصبا عنى وأعدت سؤالى. فأجاب أنه ظل طوال اليوم يقرأ عما حدث فى رومانيا منذ عشرين عاما بالضبط. فقد تمت إعادة انتخاب نيكولاى شاوشيسكو يوم 26 نوفمبر عام 1989 بانتخابات حرة نزيهة استمرت منذ توليه الحكم عام 1965. وبعد عشرين يوما بالضبط من إعادة انتخابه وبالتحديد يوم 16 ديسمبر اندلعت مظاهرات فى مدينة «تيميسوارا»، وتم التعامل مع المظاهرة من قوات الأمن بصورة فعالة ومشرفة بالقنابل المسيلة للدموع وتفرقت الجموع. إلا أنه فى اليوم التالى عاد المتظاهرون بأعداد غفيرة للاحتشاد فى الشارع. وفى هذا اليوم تدخلت القوات المسلحة بجلالة قدرها واندلعت المعارك فى الشوارع وانطلقت الأعيرة النارية وعندما شعرت الدولة أن المسألة بدأ تخرج عن السيطرة نزلت العربات المصفحة وانتصرت فى هذا اليوم سطوة القوة. ثم استطرد صديقى قائلا إنه لم تمر أيام قليلة حتى امتلأت الشوارع بالهاتفين ضد الاستبداد، ففى يوم 21 ديسمبر تظاهر مائة ألف عامل هتفوا فى وجه رجال الأمن «نحن الشعب». وفى نفس هذا اليوم يقرر شاوشيسكو العائد من زيارة رسمية إلى طهران أن يوجه كلمة إلى هذا الشعب، ومن أجل دعم نظامه وصورته وهيبته أمام العالم قام بتمويل حشد كبير للتظاهر فى بوخارست العاصمة. كان عليه أن يثبت لكل رومانيا أن نظامه يستند إلى قاعدة شعبية حقيقية. وطلب من التليفزيون تغطية المظاهرات المؤيدة للنظام. وبدأ خطابه.. إلا أنه وبعد ثمانى دقائق فقط اضطر إلى التوقف أمام هتافات الجماهير، التى جمعها والتى بدأت تزأر عاليا «يسقط الديكتاتور.. يسقط الديكتاتور».

تم قطع الإرسال التليفزيونى إلا أن أعداد البشر التى شاهدت الثورة بعينيها عبر شاشات التليفزيون ــ فى حادثة تعد الأولى فى التاريخ وهى النقل التليفزيونى المباشر لأحداث ثورة ــ قررت الانضمام إلى الحشود المتظاهرة. واستمرت المظاهرات حتى الساعات الأولى للفجر رغم قمع القوات المسلحة بكل قسوة للمتظاهرين. وفى اليوم التالى تشتعل الثورة أكثر وأكثر حتى ينتهى الأمر باحتلال الشعب القصر الرئاسى. وبعد أربعة أيام وفى 25 ديسمبر وبعد محاكمة عسكرية دامت 55 دقيقة تم إصدار الحكم بالإعدام على نيكولاى شاوشيسكو وعلى زوجته إيلينا بترسكو، وتم تنفيذ الحكم فى نفس هذا اليوم.

ثم قص علىّ أحداث الثورة المخملية فى تشيكوسلوفاكيا، والتى استمرت من 16 نوفمبر إلى 29 ديسمبر عام 1989، والتى تزاملت مع الثورة الرومانية على شاوشيسكو. سألته وما بالك حزين هكذا على المصير الذى لاقاه الأستاذ نيكولاى والسيدة الأولى إيلينا؟ فأجاب أنه حزين من عدم قدرته على الإجابة على السؤال البسيط: هل الثورة ما زالت ممكنة مثلها مثل الأغانى؟ هل عصر الثورة انتهى ودخلنا فى عصر الأمن المخملى لتخدير همم الشعوب ووأد أى برعم يمكنه أن يقود إلى التغيير؟

لجأت بعض الحكومات فى فترات تاريخية إلى دعم انتشار الأفيون كمضاد للثورات. ولكن ما يتم الآن أدهى كثيرا من الأفيون. قال لى إن الحكومات الآن تعلمت الدرس وتقوم بتخدير الشعوب بالفقر وبالإعلام وبالحكايات وبالبدائل الهزلية للواقع الراهن بتضخيم الأقزام بلعبة الخيال والظل حتى يبدون بحجم الديناصورات. وكما قام الرومان بإدخال الألعاب لتسلية الجماهير الغفيرة وإلهائها عن القيام بأى دور سياسى، تقوم الحكومات هذه الأيام وهى مجهزة بكل تقنيات القرن الجديد بدعم غير مسبوق لتحويل لعبة كرة القدم إلى أداة للتسرية عن الشعوب من ناحية وأداة للعب لعبة الحرب ضد الأمم من ناحية أخرى. وبالطبع ونحن نلعب لعبة الحرب يجب أن نتسلح بلعبة الوطنية وبلعبة العلم. تم خلق عالم افتراضى للعب السياسة، ويقف فى رقعة اللعبة أبناء الشعب، وفى أيديهم أسلحتهم وكلهم حماس وهم يهتفون لنصرة الوطن. أما فى العالم الحقيقى فيقرص الجوع أبناء الشعب، تخنقهم الحاجة، ولكنهم مشغولون بالجرى وراء الرزق وباللعب فى العالم الافتراضى الذى تصوره الحكومات لهم.

تساءل صديقى: ما العمل ونحن نعيش فى إمبراطورية الخجل؟. أما الثورة التى يمكن أن تقودنا إلى التغيير المنشود بعيدة كالسراب.

0 تعليقات:


Blogspot Templates by Isnaini Dot Com. Powered by Blogger and Supported by Ralepi.Com - BMW Motorcycle